بسم الله الرحمن الرحيمـ
اللهم صلي على محمد وال محمد وعجل فرجهمـ والعن أعدائهم
إلى يوم الدين بحق سيدي ومولاي الإمام الحسين.عليه السلامـ
ولما رجع نساء الحسين عليه السلام وعياله من الشام وبلغوا إلى العراق، قالوا للدليل: مر بنا على طريق كربلاء.
فوصلوا إلى موضع المصرع، فوجدوا جابر بن عبد الله الأنصاري رحمه الله وجماعة من بني هاشم ورجالاً من آل الرسول صلى الله عليه وآله قد وردوا لزيارة قبر الحسين عليه السلام، فوافوا في وقت واحد وتلاقوا بالبكاء والحزن واللطم، وأقاموا المآتم المقرحة للأكباد، واجتمعت إليهم نساء ذلك السواد، وأقاموا على ذلك أياماً
وروي عن أبي جناب الكلبي قال: حدثني الجصاصون قالوا: كنا نخرج إلى الجبانة في الليل عند مقتل الحسين عليه السلام، فنسمع الجن ينحون عليه فيقولون
مسح الرسول جبينه * فله بريق في الخدود
أبواه من علياً قريش * جده خير الجدود
وقد روي عن مولانا زين العابدين عليه السلام ـ وهو ذو الحلم الذي لا يبلغ الوصف إليه ـ أنه كان كثير البكاء لتلك البلوى، عظيم البث والشكوى
فروي عن الصادق عليه السلام إنه قال: « إن زين العابدين عليه السلام بكى على أبيه أربعين سنة، صائماً نهاره قائماً ليله، فإذا حضره الإفطاء جاء غلامه بطعامه وشرابه فيضعه بين يديه، فيقول: كل يا مولاي، فيقول: قتل ابن رسول الله جائعاً، قتل ابن رسول الله عطشاناً، فلا يزال يكرر ذلك ويبكي حتى يبل طعامه من دموعه ويمتزج شرابه منها، فلم يزل كذلك حتى لحق بالله عز وجل ».
وحدث مولى له عليه السلام أنه برز إلى الصحراء يوماً، قال: فتبعته، فوجدته قد سجد على حجارة خشنة، فوقفت وأنا أسمع شهيقه وبكاءه، وأحصيت عليه ألف مرة يقول: « لا إله إلا الله حقاً حقاً لا إله إلا الله تعبداً ورقاً لا إله إلا الله إيماناً وصدقاً ».
ثم رفع رأسه من سجوده، وأن لحيته ووجهه قد غمرا من الدموع.
فقلت: يا مولاي، أما آن لحزنك أن ينقضي ؟ ولبكائك أن يقل ؟
فقال لي: « ويحك، إن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام كان نبياً ابن نبي ابن نبي له اثنى عشر ابناً، فغيب الله سبحانه واحداً منهم فشاب رأسه من الحزن واحدودب ظهره من الغم والهم وذهب بصره من البكاء وابنه حي في دار الدنيا، وأنا رأيت أبي وأخي وسبعة عشر من أهل بيتي صرعى مقتولين، فكيف ينقضي حزني ويقل بكائي ؟
وها أنا أتمثل وأشير إليهم صلوات الله وسلامه عليهم، فأقول:
من مخبر الملبسينـــا بانتزاحهـــم * ثوباً من الحزن لا يبلــى ويبلينــــا
إن الزمان الذي قــد كان يضحكنـــا * بقربهم صار بالتفريــــق يبكينـــا
حالت لفقدانهم أيامنـــا فغــــدت * سوداً وكانت بهم بيضــــاً ليالينــا
عظم الله أجورنا وأجوركم بمصاب سيد شباب أهل الجنة
السلام عليكم